شرعت السماء تضخ بكاءها
قمت بسرعة الجنون ألملم دموعي في حقيبة قلبي
كي ألتحق بجبهة المطر
اختطفت ورقتي وقلمي ومطاريتي
وخرجت هاربا من بيتي كلص لاذ بالفرار
خطواتي تتشاجر
عساها تسابق الزمن
وقدر الله أن انزلقت قدماي وأنا في نصف الطريق
وسقطت على ظهري
نهضت متوجعا أتمتم بلعنات لكل شيء أكرهه
كنت قد تبللت كليا بالماء والوحل
نسيت مطاريتي التي تكسرت حينها تصارع الغرق
لم أكن أحتاجها بالأحرى
فقد تاقت نفسي لأن أبتل بقطرات الشتاء
التجأت إلى شجرة طاعنة في السن
كنت قد وقفت أتفيأ ظلالها يوما ما
في طفولتي التي سرقها الماضي البعيد
لم يكن الجو باردا جدا
ولكن المطر قد ازداد هطولا وغضبا
كأنه يعلن الحرب
لم أعد أستطيع النظر جيدا
فقد نال المطر من نظارتي
نزعتها وخبأتها في جيب معطفي
كنت أتأمل الناس تختفي وتتوارى خلف أستار الأفق
لم يتبق منهم أحد
كنت لوحدي
ظللت جامدا كأنني تمثال
أصغى لعزف المطر
أحدق في مواقع الهطول
كانت حينها ذكرياتي تلتف بي
وصارت تتراقص أمامي
هناك
على تلك الصخرة
إلى جانب سياج قد تم حذفه من خارطة بلدتي
كنا نلتقي
كنا نتناول ابتسامات بريئة
كنا نرسم بأنامل المحبة على لوحة الفضاء
رسومات الحلم الجميل
هناك
كانت تلك البطحاء مكانا لحكاياتنا
كم أحببنا الجلسات الدافئة
تحفها الملائكة
تزفها العصافير
وفجأة سقطت موجة من المطر على رأسي
فأيقظتني من يقظتي
قررت السير
فما دمت مبتلا بالكامل
فما يضرني بعد البلل ماء
كنت أتمشى بهدوء وكأنني أبحث عن شيء ضاع مني
لم تكن ضآلتي شيئا يمكنني أن أمسكه وأدسه
وأتشبث به وأعلن ملكيتي له
شيء قد أحسه وأشعره وأتنفسه
ولكنه ابتعد بلا رجعة
قطعت أشواطا طويلة في طريقي
نحو شيء لا يمكنني تحديده
لا بالخريطة ولا بالبوصلة
شيء ربما هنا
وربما هناك
وربما هنالك
واصلت المسير
كان البعض يطل من نافذة بيته ويرمقني بعين الذهول
ظنوا بي الجنون أو التشرد
ولربما كنت أشبه بذلك
كنت أستمتع ربما
أو أمارس رياضة الاسترخاء
ولكنني في ذات الوقت
أواسي وحدتي بضجيج المطر
لعل البلل يحن على قلبي
ويخلصني من جفاف بيت مهجور
فارقته بسمتي
وحل به الغياب يساكنني
يزاحمني
وقد يطردني يوما ما
فلا أعرف للسكون والهدوء والهناء طعما
وصلت إلى حديقة الحي المجاور
هناك توقفت عن الحركة
سرحت ببالي
بقية من الذكريات لحقت بي
لا أدري
من الممكن أنني أنا من لحقت بها
وهي آيلة للغروب
هنا وأنا واقف
كأن الأرض كلمتني
كنا هنا
هنا كنا
ولكن أين نحن منا
أين أولئك
أين هم
صرت أحدث نفسي
رفعت رأسي
وإذا بعبرات العين تنفجر ساخنة
تمتزج بالمطر
فرحت أنني سأبكي براحتي
فلن يكتشف الكل أن البكاء مني
فلعله فيض من السماء
هطل وانسكب على رأسي
وضمخ وجهي بحباته النقية
أخرجت ورقتي
وكتبت فيها حروفا عزيزة عندي
كان الحبر يتلاشى
لقد جرفته قطرات المطر
حينها عرفت معنى الغياب
وكيف تلاشى ذلك الزمن الجميل
امتلأ صدري بالاشتياق
نظرت في غيمة كانت فوقي
نويت على توقيع صفقة بيني وبينها
طلبت منها أن تطيل المكوث قرب منزلي
أن تزورني كل يوم
وتمنيت أن تعيدهم لي
أن يرجعوا معها
وما أجمل أن يأتي المطر بالماء
وبأرواح لنا هي كالماء
وليس بدون وجودهم أي ارتواء
كانت الصفقة مستحيلة بعين الناس
وفي نظري غير ميؤوس منها
(^_^)